منذ أن أسس الصائغ الألماني “بيرنر” في مدينة أوغسبورغ عام 1518 أول فرقة إطفاء في العالم، شهدت تقنيات مكافحة الحرائق تطورًا استمر لأكثر من 500 عام. ورغم هذا التقدم الكبير، لا تزال أساليب الإطفاء التقليدية تعتمد على ثلاثية: الإنسان + المعدات + مادة الإطفاء. وحتى اليوم، يمكن لمعظم فرق الإطفاء الوصول إلى موقع الحريق في غضون نصف ساعة، إلا أن البيئة المعقدة لمواقع الحرائق تظل تشكل تحديات كبيرة أمام رجال الإطفاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحرائق في الأماكن المرتفعة أو داخل الهياكل المعمارية المعقدة.
في هذا السياق، تبرز الطائرات بدون طيار (الدرون) كحل مبتكر وفعال. فبفضل مرونتها العالية وسهولة حركتها، توفر الدرونات إمكانية الوصول إلى مناطق يصعب على السلالم الهوائية أو سيارات الإطفاء التقليدية بلوغها، لا سيما في حالات حرائق الأبراج الشاهقة أو المباني ذات البنية الهندسية الخاصة. وهذا ما يجعل درونات مكافحة الحرائق اليوم تمثل نقلة نوعية في استجابة فرق الطوارئ للحوادث المعقدة.
أضف النص الخاص بالعنوان هنا
درون مكافحة الحرائق هو طائرة بدون طيار مُجهّزة خصيصًا لدعم عمليات الإطفاء في المناطق عالية الخطورة، حيث تجمع بين تقنيات الاستشعار والرؤية والقدرة على التدخل المباشر. على عكس الدرونات التجارية أو المخصصة للتصوير، فإن هذه الطائرات تُعد أدوات ميدانية متقدمة تُستخدم في الاستكشاف، التقييم، وأحيانًا في إطلاق مواد الإطفاء مباشرة على اللهب.
تعتمد أنواع هذه الدرونات عادةً على تصميم متعدد المراوح (Multirotor) لضمان القدرة على التحليق المستقر في الأماكن الضيقة مثل نوافذ المباني أو الممرات الداخلية. بعضها يُستخدم في مهام المراقبة الحرارية وجمع البيانات، ويُطلق عليه “درون استكشافي”، بينما صُممت نماذج أخرى لتحمل عبوات إطفاء وإطلاقها بدقة على مصدر الحريق، وتُعرف بـ”درونات هجومية”.
من الناحية التقنية، تتميز هذه الدرونات بكاميرات حرارية عالية الدقة، ومستشعرات غاز، ونظام تحديد المواقع (GPS) للتوجيه الذكي، وبعضها مزود بذراع ميكانيكية أو نظام إطلاق يتم التحكم به عن بُعد. تسمح هذه الخصائص لفرق الإطفاء بالحصول على صورة حرارية آنية لمصدر الحريق وتحديد النقاط الساخنة بسرعة تفوق التدخل البشري التقليدي.
أما من حيث المزايا، فإن درونات الإطفاء تُقلل الحاجة إلى تعريض رجال الإطفاء للخطر، وتُسرّع الاستجابة خلال الدقائق الحرجة الأولى، وتوفر قدرة استهداف دقيقة تقلل من الهدر في المواد. كما أن تشغيلها لا يتطلب تجهيزات ثقيلة أو شبكات لوجستية كبيرة، مما يجعلها مثالية للحرائق في المناطق الحضرية أو المواقع الصناعية أو المناطق الجبلية الصعبة الوصول.
أنواع الدرونات في مكافحة الحرائق
تتنوع الطائرات بدون طيار المستخدمة في مكافحة الحرائق إلى فئتين رئيسيتين: درونات متعددة المراوح (Multirotor) ودرونات ثابتة الجناحين (Fixed-Wing)، ويعتمد اختيار النوع المناسب على طبيعة المهمة والموقع الجغرافي للحريق.
الدرون متعدد المراوح
يُعرف هذا النوع بقدرته على الإقلاع والهبوط العمودي (VTOL)، ما يجعله مثاليًا للعمل في البيئات الحضرية والأماكن الضيقة. يحتوي على أربع إلى ثماني مراوح تُتيح له التحليق بثبات في مكان واحد، وهو أمر بالغ الأهمية عند استكشاف الطوابق العلوية أو الممرات الضيقة أو واجهات المباني.
-
يُستخدم غالبًا في الاستكشاف الميداني المباشر، التصوير الحراري، إطلاق عبوات الإطفاء داخل الأبنية.
-
المزايا: دقة في التوجيه، مرونة عالية، سهولة التحكم، لا يحتاج إلى مساحة هبوط واسعة.
-
العيوب: مدى طيران محدود (غالبًا أقل من 30 دقيقة)، حمولة خفيفة، تأثر كبير بالرياح.
الدرون ثابت الجناحين
يعمل بالدفع الأمامي المستمر، مشابه للطائرات التقليدية. لا يمكنه التحليق الثابت، لكنه يتميز بمدى طيران طويل وسرعة عالية وقدرة على تغطية مناطق واسعة خلال وقت قصير.
-
يُستخدم في مراقبة أعمدة الدخان، تتبع انتشار الحريق في الغابات أو المناطق الصناعية الواسعة.
-
المزايا: استهلاك منخفض للطاقة، وقت طيران طويل (يتجاوز 60 دقيقة)، فعالية في التغطية الجوية.
-
العيوب: يحتاج إلى مدرج للإقلاع أو نظام إطلاق خاص، غير مناسب للبيئات المغلقة أو المناطق الحضرية المكتظة.
في بعض المهام المتقدمة، تجمع أنظمة الدرونات الحديثة بين هذين التصميمين في نموذج هجين، للاستفادة من ثبات المراوح وكفاءة التحليق الديناميكي، مما يُعزّز القدرة التشغيلية في سيناريوهات معقدة.
كيف تنفذ درونات مكافحة الحرائق عمليات الإطفاء؟
لم تعد درونات مكافحة الحرائق مجرد أدوات استكشافية، بل أصبحت منصات قادرة على تنفيذ عمليات إطفاء ميدانية عالية الدقة، خاصة في الأماكن المرتفعة أو المناطق التي يصعب الوصول إليها.
تعتمد هذه الدرونات على منظومة تكاملية تشمل:
① الرصد الحراري، ② التوجيه الذكي، ③ الإطلاق المباشر، ④ التقييم اللحظي.
ففي المرحلة الأولى، تستخدم الكاميرات الحرارية عالية الحساسية لتحديد نقطة الاشتعال بدقة تصل إلى ±1.5 درجة مئوية، حتى في البيئات ذات الرؤية المحدودة. بعد تحديد الهدف، يقوم نظام الملاحة بالليزر أو الـGPS بقفل تلقائي على النقطة الحرارية، وتقوم الذراع الآلية أو وحدة القذف بإطلاق الحمولة نحو اللهب بزاوية محسوبة.
غالبًا ما تكون الحمولة عبارة عن كبسولات حرارية أو عبوات سائلة تحتوي على رغوة مقاومة للحريق، ويبلغ متوسط وزنها من 1.5 إلى 2 كجم. يبلغ مدى طيران هذه الدرونات عادةً 15–20 دقيقة، وتُنفّذ المهمة خلال 60–90 ثانية من لحظة الإقلاع. وفقًا لتقرير وزارة الداخلية الإماراتية عام 2023، فإن هذا النوع من الاستجابة يُعد أسرع بنسبة 70% من متوسط وصول فرق الإطفاء الأرضية في البيئات الحضرية.
في حرائق المباني العالية، أثبتت النماذج الاختبارية أن الدرونات تصل إلى الطابق 22 خلال أقل من دقيقتين، بينما لا تتجاوز قدرة السلالم الهوائية التقليدية 15 طابقًا في المتوسط. وفي المناطق الصناعية المعقدة، سُجل انخفاض في وقت السيطرة على النيران بنسبة 40% عند استخدام الدرونات المجهزة بمساحيق جافة دقيقة.
من أبرز المزايا التكتيكية لهذه المنصات الجوية:
-
استجابة فورية في الدقائق الحرجة الأولى.
-
دقة في إصابة مصدر اللهب، مما يقلل من استهلاك المواد.
-
الوصول إلى مناطق مرتفعة أو ضيقة دون تعريض حياة الأفراد للخطر.
-
توثيق المهمة بالصور الحرارية وتحليل البيانات لاحقًا.
درون مكافحة الحرائق هو منصة ذكية تُدمج بين الطيران والتحليل الحراري وتنفيذ المهام، مصممة للوصول إلى أماكن يصعب على البشر الوصول إليها خلال وقت قياسي. إنها تمثل مستقبل الاستجابة الفورية للحرائق، حيث تلتقي التكنولوجيا بالسلامة التشغيلية.هل تبحث عن حلول متقدمة لأنظمة الإطفاء الجوية؟
نحن في Flarenix نوفر لك أحدث تقنيات أنظمة الإطفاء بالغازات النظيفة والطائرات بدون طيار. تواصل مع فريقنا اليوم لتكتشف كيف يمكننا تعزيز سلامة منشأتك من الأعلى إلى الأرض.